<BLOCKQUOTE class="postcontent restore">الجزء الثالث
استقرار قبائل بني سليم في برقة
احتلت قبائل بني سليم برقة كما أشرنا (ولما غربت بقيت منهم بقية في برقة أغلبها من سليم وأحلافها) وإلى سليم تنسب غالبية قبائل أولاد علي موضوع البحث، حيث يجمع الرواة وكذلك تتفق أغلب المراجع والتي كتب أغلبها بعضاً ممن ينتمون إلى هذه القبائل، على أنها تنسب إلى أبي الليل أو الذئب، والذي ينتهي ابن خلدون بنسبه إلى أحمد من هيب من بهثة من سليم، وكذلك أشار صاحب كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) وهو مؤلف للألف عام 1229 هجرية على أن بني أحمد وكذلك الكعوب الذين سيسود عليهم أبي الليل، هؤاء لم يرد ذكرهم ضمن بطون بني سليم التي بقيت في برقة، وإنما تشير المصادر أن مساكنهم إفريقية، وقد يبدو ذلك تعميماً يمكن أن تندرج تحته برقة، ولكن في حقيقة الأمر هي أن إفريقية مصطلح تاريخي معروف لا تدخل برقة في حدوده، وخاصة أن صاحب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) كان يحدد مواضع البطون فيذكر مستنداً إلى تاريخ ابن خلدون وإلى مسالك الأبصار، ما إذا كان هذا البطن أو ذلك يسكن برقة أو بين طرابلس وقابس.....إلخ، وقدد حدد السويدي في السبائك أربعاً وعشرين بطناً للبيد، وهم من بني سليم، وذكر منازلهم ببرقة، وأنهم خلق كثير لا يكادون يحصون. وهو يشير إلى بني كعب قائلاً: (بطن من سليم مساكنهم إفريقية من بلاد المغرب، منهم أولاد أبو الليل أمراء العرب بإفريقيا) [2] إلا أنه يذكر أن بني علاق، ويقول أنهم: (بطن من عوف بن بهثة من سليم، ذكرهم في العبر ولم يرفع نسبهم، وقال مساكنهم مابين قابس وبلد العناب من إفريقية مع قومهم بني عوف. قال: (وكان رئيسهم عند دخولهم إفريقية رافع بن حماد ومن أعقابه بنو كعب أمراء العرب الآن بإفريقية) [3] والواضح من تقسيم السويدي وتعليقاتة المنسوبة إلى إبن خلدون أن الكعوب كانت مساكنهم بين قابس والعناب، أي عنابة وهما مدينتان ساحليتان الأولى في تونس على خليج قابس، والثانية في الجزائر على ساحل البحر الأبيض المتوسط) [4].
والواضح كذلك من تقسيمات السويدي، ومن ثم فإن القول بنسبة القبائل الحالية إلى أبي الليل مرتبط بالقول بأن برقة كانت مستقرهم قبل مجيئهم إلى مصر يبدو محيراً، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن بعض القبائل التي ينص عليها السويدي على أنها تسكن برقة وهي من بطون لبيد [5] تذكر أسمائها بين القبائل المقيمة حالياً في مطروح مثل الحدادة والحوتة والموالك. وبالنسبة إلى أبي الليل هو حقاً ينتسب إلى أحمد الذي يمثل بطناً من بطون هيب من بهثة من بني سليم، ومن المؤكد أن بني هيب لم يسكنوا برقة فالسويدي يذكر أن: (مساكنهم مع قومهم هيب في أطراف برقة مايلي بلاد المغرب)[6] وقد نازع أحمد بني شيخة رياستهم الكعوب وتابعه في ذلك إبنه أبوالفضل ثم من بعده أخوه أبو الليل إلى أن (استبد أبوالليل بالرياسة في الكعوب) [7].
وظلت المزاحمة على الرئاسة بين أابناء شيخة وابناء أبي الليل، ولكننا من خلال الجمع بين مواضع مختلفة من هذه المصادر ومن خلال مقارنة النصوص المتفرقة في تلك المواضع يمكننا القول بأن أبا الليل قد عاش قبل عام 694 هجرية حيث حضر حكم عمر بن أبي زكريا الذي امتد من 683 إلى 694 هجرية [8] ومعنى هذا أن أبا الليل قد توفي قبل عام 694 هجرية، حيث تولى حكم تونس أبو عصيدة محمد، خلفاً لأبي حفص [9] ويرد في أسماء عقب أبي الليل الذئب اسم أبو الليل بعد قرابة خمسة عقود من وفاة الأول، أي حوالي سنة 740 هجرية [10]. يقول ابن خلدون ضمن حديثه عن مواضع القبائل العربية وقت اعداد كتابه: (وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبي ذئب من بني جعفر .. وأما نسبهم فما أدري فيمن هو من العرب، وحدثني الثقة من ذباب عن حريص بن شيخهم أبي ذباب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة، وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة بن عامر إخوة هلال بن عامر.. ويزعم النسابة أنهم من الكعوب من العزة وأن العزة من هيت (هكذا كتبت ولعل الصحيخ هيب) وأن رياسة العزة لأولاد أحمد وشيخهم أبو الذئب) [11] ولعل هذه أول إشارة إلى استقرار الكعوب أو بقاياهم في برقة، ولكن يظل من غير المفهوم أمر استقرار هذا الفرع في المنطقة من تونس والجزائر غرباً إلى برقة شرقاً، فالمصادر التاريخية تصمت عن هذا تماماً. وإذا جاز لأحد أن يقدر أن بعضاً من هذا الفرع انتقل للعيش في برقة والاختفاء المفاجيء لبقية الفروع، وعلى أية حال إن بعضاً من المشكلات قد واجهت ابن خلدون وعبّر عن حيرته إزاءها على نحو ما أوضحنا ونقلنا عنه سلفا، ولم يتح له أن يحسم الأمر على الرغم من قرب عصره من بواكير هذه القبائل بحيث لم تفصله عن انتقالها إلى الغرب أكثر من ثلاثة قرون. </BLOCKQUOTE>