<BLOCKQUOTE class="postcontent restore">الجزء الثاني
هجرة قبائل بني سليم وبني هلال
كان هذا التدفق الاوسع إلى الشمال الافريقي، وكانت هذه القبائل تسكن إقليم نجد ونزحت إليه في عهد الدولة العباسية في القرن الخامس الهجري إبان حكم الفاطميين لمصر، وعلى نحو ماهو معروف عن تمرد المعز بن باديس أوالعبد الآبق ابيس، كما يسميه الفاطميون، على السلطة الفاطمية وعلى مذهبها الديني والسياسي. مما حدا بالخليفة الفاطمي المستنصر بالله إلى دفع مجموعة قبائل هلال وسليم وبطونهما وأحلافهما، حيث أباح لهم الغرب في خطة مزدوجة تهدف إلى تصفية ابن باديس من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى التخلص من هذه القبائل التي تحيزت للقرامطة عند ظهورهم في البحرين، ورافقتهم إلى الشام عند استيلائهم عليه، إلى أن انتزعه منهم الخليفة الفاطمي العزيز، وردّ القرامطة إلى البحرين ونقل القبائل العربية من هلال وسليم إلى الصعيد والعدوة الشرقية من النيل [1].
والشاهد أن هذه القبائل استجابت للإغراء الفاطمي وعبرت النيل واتخذت طريقها إلى الغرب على مرحلتين، الأولى "بإغراء رسمي من الفاطميين في شخص وزيرهم اليازوري، وكانت الثانية هجرة لا إكراه فيها ولاترغيب. أقدم عليها الأعراب ليشاركوا فيما نال إخوتهم وأبناء عمومتهم من فيء وغنيمة، بل إن بعضهم ليذهب أن الفاطميين أنفسهم أدركوا قوة هذه الرغبة في النقلة الثانية، ففرضوا على أفراحها مايشبه المكوس، وأخذوا عن كل رأس دينارين [2] وقد كان رجال المرحلة الأولى قد بلغوا برقة وافتتحوا أمصارها، واستباحوها وكتبوا لإخوانهم شرقي النيل يرغّبونهم في البلاد فأجازوا إليهم" [3].
وتجمع المصادر والمراجع التاريخية على أن جموع هذه التغريبة قد تقارعوا على البلاد أول قيامهم بتغريبتهم هذه وقسّموها "على أساس أن الشعبين الكبيرين اللذين تتألف منهما سائر قبائلهم وهما سليم وهلال، اختص الأول بالشرق والثاني بالغرب" [4] على أن عبدالحميد يونس لا يطمئن إلى دقة هذه الرواية ويرى أنها " لا تستقيم مع الهجرة غير النظامية التي كانوا يسيرون في مجالها، وأغلب الظن أنها انتحلت بعد حدوثها بزمن، لأنها تتفق مع النتائج التي انتهت إليها الأحداث لا مع مقدمتها) [5] وأعتقد بأنه مصيب فيما قال، لأنه استند إلى أداة الاقتراع، وهي أداة تعتمد على الصدفة والغيبية، ومما يدعم هذا التشكك المنطقي والاستقرائي، سيرة أخلاق هذه القبائل في تقسيم المناطق التي يقومون بفتحها أو الاستيلاء عليها، ذلك أن قبائل (أولاد علي) موضوع بحثنا، عند جلائهم من برقة إلى مصر1670م على إثر حربهم مع الحرابي إخوتهم كما أشرنا، اضطروا إلى نصرة قبيلة (الجميعات) التي سبقتهم إلى استيطان هذه المنطقة ومساندتها ضد قبيلة الهنادي[6] الذين هزمهم أولاد علي واستولوا على أراضيهم بالبحيرة، وكانت القاعدة المتبعة هي أن يستولي كل مقاتل على مايصل إليه من أرض وتكتب باسمه. ويروون أن كاتباً من قبائل المرابطين كان يسجل ذلك، وعند قرية طيبة الإسم وهي من قضاء محافظة البحيرة الأن، استخلص الأرض فارسان أحدهما من السننة والأخر من الصناقرة، وهما فرعان من أولاد علي، وكان الكاتب ميالاً إلى الصنقري فكتبها له، فلطم السنني الكاتب، ولما كان من غير اللائق أن يعتدى على الكاتب وهو فقيه، فقد قتل الصنقري السنني وقال:
قبل حوتا طابت ... جاها الخيال صدافا
ونستنتج من هذا الأمر الحرص من هذه القبائل على تقليص الاحتكاك فيما بينها، وقد انعكس هذا الاتجاه في عرفهم المقنن الذي لم يُتح للمرأة أن ترث استناداً إلى قاعدة تقول (الأرض حوز نبوت)!!!!؟ أي أنها أخذت بالقوة، ومن الطبيعي أن تكون هناك أسباب أخرى تمنع توريث المرأة، ذلك أن المرأة قد تتزوج من خارج القبيلة، فتنتقل ملكية الأرض من خلالها إلى فرع آخر من قبيلة أخرى. </BLOCKQUOTE>