مقدمة
نستهل بحثنا هذا بالتعريف بهذا الاقليم المتاخم للحدود الليبية من جهة الشرق والذي تسكنه قبائل أولاد علي الليبية والتي نزحت من ليبيا بسبب نزاع بينهم وبين اخوتهم الحرابي فيما يعرف (بتجريدة حبيب) [1] وكان ذلك في عام 1670م ويمتد هذا الإقليم لمسافة طويلة غربي الإسكندرية تبلغ قرابة 500 كيلو متر، وعلى الرغم مما تمثله المنطقة من أهمية اقتصادية كامنة، وما تمثله من أهمية استراتجية جعلت منها ميداناً لمعركة مهمة من معارك الحرب العالمية الثانية وهي معركة العلمين الشهيرة، ويمثل إقليم مطروح بحكم موقعه على البحر المتوسط أكثر مناطق الصحراء الغربية عمراناً وازدحاماً بالسكان، لانتشار الزراعة وتوفر المطر، مما أدى إلي انتشار المراعي الطبيعية، لأن الحرفة الأولى لسكان هذه المنطقة هي تربية الأغنام إضافة إلي الزراعات البعلية كالقمح والشعير والبطيخ، وغاية ما يعنينا من بحثنا هذا هو تسليط الضوء على سكان هذا الإقليم.
إن خلاصة مايهمنا هو أن هذة المنطقة يمتد وجودها إلي عصور ماقبل التاريخ، وإن (السكان الأقدمين بصحراء مصر لم يكونوا يعيشون في صحراء، ولم يكونوا يسكنونها وهي على حالها من الجفاف ووعرة العيش، بل كانوا يعيشون والمياه والأمطار تروي أوديتهم وتنشر الخصب والنماء في ربوعهم وزروعهم، وقد أثبت الباحثون أن أقصى عهود التاريخ قد شهدت أشجار الزيتون تنمو بكثرة في مريوط [2] وغربيها، وأن هذه المنطقة كانت تعرف باسم (طيهينو) أي وادي الزيتون، وقد وضح من الأبحاث بما لا يقبل الشك أنه عندما نزل الإنسان أرض مريوط فيما قبل التاريخ كانت صحراء ليبيا مزارع ومراع، ولما قلّت الأمطار أخذ قوم الصحراء يندفعون شيئاً فشيئاً إلي منطقة الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط وغرب الدلتا إي فرع النيل الكانوبي [3] وقد ظلت هذة المنطقة تتنازعها الغزوات الليبية والمدافعات المصرية منذ فتحها الملك مينا حوالي سنة 3400 ق.م حيث أصبحت خاضعة لمصر منذ عهد الأسرة الأولى، كما ظلت هذه المنطقة محط نظر كل الجيوش الغازية بل أنه (في الفترة القصيرة بين 616 وسنة 619 م عندما غزا خسرو الفارسي مصر إلي أن طرده منها هرقل، مر بأنحاء مريوط جيش اجنبي آخر وهو جيش الفارسيين متجهاً لفتح (بنتابوليس) [4] وقبل ذلك كان جيش هرقل بقيادة بنكيتاس قد اتجه من برقه واستولى على مصرأاواخر عام609 م.
أما الفتح العربي فلم يكن له طريق آخر لضم شمال أفريقيا، حيث عبر الفاتحون هذه المنطقة إلي برقة والتي كانت قبل الفتح الإسلامي تابعة للإسكندرية تحت حكم دولة الروم الشرقية، والتي كانت تتبعها جميع بلاد الشمال الإفريقي، وماكاد العرب ينتهون من فتح الإسكندرية حتى اتجهت أنظارهم نحو إفريقيا لفتحها.
وإذا كانت نقطة الارتكاز في هذه الفتوح هي مصر التي فتحها المسلمون عام 21هجرية 641 م بقيادة عمرو بن العاص واستكملوا فتحها بسقوط الإسكندرية 22 هجرية، حيث حرص ابن العاص على تأمين السيطرة العربية على مصر فاتجه إلي فتح ليبيا.
ولابد أن نشير إلي أن هذه القبائل التي أتت مع جيش عمرو بن العاص لم تستقر بهذه المنطقة موضوع البحث، وواصلت الزحف غربا مع جيش المسلمين الفاتح لشمال إفريقيا، ولم تبقى إلا قليلاً من القبائل العدنانية والتي يطلق عليها القيسية. ففي الفسطاط نزلت جماعة من قريش وغفار وثقيف ودوس وعيسى بن بغيض، وقد ظلت الحال هكذا حتى النصف الأول من بداية العقد الأول من القرن الثاني الهجري، ثم بدأ التفكير في هجرة العدنانيين أو القيسية إلي مصر منذ تولى أمرها عبد العزيز بن مروان في عهد دولة بني أمية، فقد عبّر هو عن ذلك في كلمة قالها مرة يخاطب أباه مروان بن الحكم (يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس فيه أحد من بني أبي) ولم يكن في مصر حينذاك من العدنانية إلا جماعات قليلة، وتوالت القبائل القيسية في الهجرة إلي مصر تأتيها من بوادي نجد بين عامي 109 و 114 هجرية، ونزلت بلبيس [5] واستقرت بها إلي وقتنا هذا.
هذه إطلاله عامة وسريعة على وضع الجناح القيسي والوجود العربي بمصر، بعد مرور أكثر من قرن على فتح المسلمين لها.